التغير المناخي يتميز بنطاق واسع من المخاطر على صحة الأشخاص - وهي مخاطر سوف تزداد في العقود القادمة وغالبًا ستصل إلى مستويات خطيرة، في حالة استمرار تغير المناخ في مساره الحالي.
وتتضمن الفئات الثلاث الأساسية للمخاطر الصحية:
(أ) التأثير المباشر (على سبيل المثال نتيجة لـالموجات الساخنة وتلوث الهواء على نطاق واسع والكوارث الجوية الطبيعية)،
(ب) التأثيرات التي تحدث نتيجة للتغيرات المناخية المتعلقة بالنظم والعلاقات البيئية (على سبيل المثال المحاصيل الزراعية والناموس وعلم البيئة والإنتاج البحري) و
(ج) التوابع الأكثر انتشارًا (غير المباشرة) المرتبطة بالإفقار والنزوح والصراع على الموارد (على سبيل المثال المياه) ومشكلات الصحة العقلية التالية للكوارث.
وبناءً على ذلك فإن التغير المناخي يهدد بأن يقلل أو يعوق أو يعكس التقدم العالمي تجاه تقليل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والوفيات الناتجة عن مرض الإسهال وانتشار غيره من الأمراض المعدية. ويعمل التغير المناخي بصورة سائدة من خلال زيادة حدة المشكلات الصحية الموجودة والهائلة غالبًا، خاصة بالمناطق الفقيرة من العالم. إن لحالات تنوع الثروات المعاصرة العديد من التاثيرات العكسية على صحة الأشخاص الفقراء بالدول النامية [9] وهذه التأثيرات من المحتمل أن "تتضاعف" هي الأخرى من خلال الضغوط الإضافية للتغير المناخي.
ومن ثّم فإن المناخ المتغير يؤثر سلبًا على متطلبات صحة الأفراد:
وهي الهواء والماء النقي والطعام الكافي والعوائق الطبيعية لعوامل العدوى المرضية والمأوى المناسب والآمن. فالمناخ الحار والمتغير يؤدي إلى مستويات مرتفعة من بعض ملوثات الهواء وزيادة تكرار الحوادث المرتبطة بالطقس المتطرف.
حيث يزيد من معدلات ونطاقات نقل الأمراض المعدية من خلال الماء غير النظيف والطعام الملوث وبالتأثير في الكائنات ناقل (مثل الناموس) وفصائل المضيف المتوسط والمستودع التي تأوي العامل المعدي (مثل الماشية والخفافيش والقوارض).
إن التغيرات التي تطرأ على درجات الحرارة وسقوط الأمطار الموسمية تعرض الإنتاج الزراعي في العديد من المناطق للخطر بما يتضمن بعضًا من البلدان الأقل تطورًا؛ وذلك يشكل مخاطر على حياة الأطفال ونموهم والصحة العامة والقدرة الوظيفية للبالغين. ومع استمرار تزايد ارتفاع الحرارة، فإن خطورة الكوارث المرتبطة بالطقس (وبالطبع تكرارها) ستزداد - ويبدو أن هذا قد حدث بالفعل في عدد من المناطق حول العالم خلال العقود الماضية العديدة.
ونتيجة لذلك وعلى سبيل الخلاصة فإن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي بالإضافة إلى التغيرات التي تطرأ على موارد الطعام والماء؛ يمكن بصورة غير مباشرة أن تزيد من نطاق نتائج الحالة الصحية العكسية بما في ذلك سوء التغذية والإسهالوالإصابات و الوعاء القلبي وأمراض الجهاز التنفسي والأمراض المنقولة عن طريق الماء والحشرات.
إن لتفاوت الرعاية الصحية والتغيرات المناخية تأثيرًا كبيرًا على صحة الإنسان وجودة الحياة ويعتبران متصلتين من خلال العديد من الطرق.
أشار تقرير مفوضية منظمة الصحة العالمية للعوامل المحددة للصحة الاجتماعية إلى أن المجتمعات الفقيرة عرضة لتحمل حصة غير متكافئة من عبء التغير المناخي بسبب تعرضها المتزايد وقابليتها لمواجهة تهديدات صحية.
فأكثر من 90 بالمائة من وفيات الملاريا والإسهال تنقل بواسطة أطفال يبلغون من العمر 5 سنوات أو أقل وغالبًا ما يكونون في الدول النامية.
وتتضمن المجموعات التي تتأثر بدرجة خطيرة النساء والكبار والأشخاص الذين يعيشون في ولايات الجزر النامية الصغيرة والأقاليم الساحلية الأخرى والمدن الضخمة أو المناطق الجبلية.
التغير المناخي يمكن أن يؤدي إلى زيادة بالغة في انتشار مختلف الأمراض المعدية. وبداية من منتصف السبعينيات، كان هناك "ظهور وانتعاش وإعادة توزيع للأمراض المعدية".
والأسباب التي أدت إلى ذلك على الأرجح متعددة حيث تعتمد على عناصر اجتماعية وبيئية ومناخية متنوعة، ولكن العديد يزعمون أن "انتشار المرض المعدي ربما يكون واحدًا من التفسيرات البيولوجية المبكرة لعدم الاستقرار المناخي".
وبالرغم من أن العديد من الأمراض المعدية تأثرت بالتغيرات التي طرأت على المناخ، إلا أن الأمراض المنقولة بواسطة النواقل مثل الملاريا وحمى الضنك واللشمانيات تمثل أقوى علاقة سببية. فالملاريا بالتحديد التي تقتل ما يقرب من 300000 طفل سنويًا تشكّل أكبر تهديد وشيك.
الملاريا
الملاريا على وجه الخصوص تعتبر سريعة التأثر بالتغيرات التي تطرأ على البيئة حيث إن كلاً من العامل المسبب للمرض (المتصورات) وناقله (الناموس) يفتقدان للآلية الضرورية لضبط درجة الحرارة الداخلية ومستويات السوائل. وهذا يقتضي ضمنًا أن هناك نطاقًا محددًا من الظروف المناخية والتي يمكن في ظلها للعامل المسبب للمرض والناقل أن يعيشا ويتكاثرا وينقلا العدوى للكائنات المضيفة.
الأمراض المنقولة بناقل مثل الملاريا تتميز بخصائص فريدة تحدد القدرة على نقل الأمراض. وهذه تتضمن: معدل تكاثر وإنتاج الناقل ومستوى نشاط الناقل (على سبيل المثال معدل القرص أو التغذية) ومعدل تطور وتكاثر العامل المسبب للمرض داخل الناقل أو المضيف.وهذه تعتمد على الظروف المناخية مثل الحرارة والترسب والرطوبة.
درجة الحرارة
تبلغ درجة الحرارة المثالية للناموس الحامل للملاريا 15 إلى 30 درجة مئوية. وتمارس درجة الحرارة تأثيرات متنوعة على معدلات بقاء وتكاثر الناموس. فإذا كانت درجة الحرارة الأولية مرتفعة، فإن ارتفاع درجة الحرارة المتوسطة مصاحبًا لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي يمكن أن يقلل من معدل بقاء وتكاثر الناموس.
الترسب والرطوبة
كما أن الناموس كائنات حساسة بدرجة كبيرة تجاه التغيرات التي تطرأ على الترسب والرطوبة. فالزيادة في الترسب يمكن أن تزيد من أعداد الناموس بصورة مباشرة من خلال توسعة نطاق البيئة اليرقانية والإمداد بالطعام. ورغم ذلك فإن الناموس شديد الاعتماد على الرطوبة حيث يعيش في معدل رطوبة يتراوح من 55 إلى 80% فقط.
ظروف الطقس المتطرفة
غالبًا ما تصاحب الأمراض المعدية حالات الطقس المتطرف مثل الفياضانات والزلازل والجفاف. إذ تحدث هذه الأوبئة المحلية بسبب فقدان البنية الأساسية مثل المستشفيات والخدمات الصحية العامة، بل أيضًا بسبب التغيرات التي تطرأ على النظام البيئي المحلي والبيئة. على سبيل المثال فإن حالات ظهور الملاريا ترتبط بقوة بظاهرة دوائر إلنينو بعدد من البلدان (الهند وفنزويلا على سبيل المثال).
إلنينو قد تؤدي إلى حدوث تغيرات وإن كانت مؤقتة ولكنها قاسية في البيئة مثل تأرجح درجات الحرارةوالفياضانات المفاجئة وعلاوة على ما سبق، فمع وجود ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي كان هناك ميل ملحوظ تجاه طقس أكثر تنوعًا وشذوذًا.
وقد أدى هذا إلى زيادة عدد أحداث الطقس المتطرفة وحدتها. وهذا الميل نحو مزيد من التنوع والتأرجح ربما يعتبر أكثر أهمية، وذلك من ناحية تأثيراته على الصحة البشرية مقارنةً بالميل التدريجي طويل الأمد نحو ارتفاع متوسط درجات الحرارة.
العوامل المحددة غير المناخية
كما يمكن للمرء أن يتوقع، فإن المناخ ليس عنصر التحديد الوحيد في انتشار الملاريا. فثمة مجموعة متنوعة من المؤثرات الاجتماعية الجغرافية والبيئية تحدد خصائص هذا المرض أيضًا. وتتضمن العوامل الاجتماعية الجغرافية على سبيل المثال لا الحصر: نماذج الهجرة البشرية والسفر وفعالية الصحة العامة والبنية التحتية الطبية في السيطرة على المرض وعلاجه ومدى انتشار مضادات الملاريا مقاومة الدواء والحالة الصحية الأساسية للسكان الخاضعين للدراسة.
وتتضمن العوامل البيئية :التغيرات في استخدام الأرض (مثل إزالة الغابات) وتوسع مشروعات الزراعة وتنمية الموارد المائية (والتي تميل إلى زيادة مواطن تربية الناموس) والميل بوجه عام إلى التمدن (ونعني بهذا زيادة تركيز الكائنات البشرية المضيفة).
يزعم "باتز" (Patz) و"أوسلون" (Olson) أن هذه التغيرات في العناصر الطبيعية يمكن أن تغير الطقس المحلي أكثر من تغير المناخ على المدى الطويل.
على سبيل المثال، فإن إزالة الغابات وزراعة المستنقعات الطبيعية في المرتفعات الإفريقية أنشأت ظروفًا مناسبة لبقاء يرقات الناموس وأدت بصورة جزئية إلى الإصابة بالملاريا.
إن تأثيرات هذه العناصر غير المناخية تعقد الأمور وتصنع علاقة سببية مباشرة بين تغير المناخ والملاريا يصعب إثباتها. وليس من المرجح بصورة كبيرة أن يحدث المناخ أثرًا معزولاً.
النموذج المستقبلي
يتضمن النموذج التنبؤ بالمدى والتوزيع الجغرافي وخصائص عنصر معين (الملاريا في هذه الحالة) خلال فترة زمنية.
هذه النماذج تعتبر مهمة في إعداد استجابة صحية عامة مناسبة لمواجهة حالات تفشي المرض المعدي في المستقبل.
إن وضع نموذج خاص بالملاريا يعتبر أمرًا معقدًا على وجه الخصوص في ظل الشكلين المختلفين الشائعين من العوامل المسببة للمرض (المتصورة المنجلية والمتصورة النشطة) والعديد من فصائل الناموس السائدة الإقليمية.
ومن ثم يجب أن تتضمن هذه النماذج مجموعة متنوعة من العناصر تتضمن:
التغيرات التي يحدثها الإنسان في المناخ (على سبيل المثال درجة الحرارة والترسب والرطوبة) والعناصر البيئية (على سبيل المثال الجفاف وإزالة الغابات) وعناصر المرض (على سبيل المثال معدل نمو الطفيليات وعدد النواقل ومقاومة الدواء) وعناصر أخرى (على سبيل المثال تغير حالة المناعة لدى المضيف وانتشار المرض في مناطق جديدة).
وتظهر النماذج المتنوعة بصورة متحفظة أن مخاطر تعرض الأفراد الذين يعيشون في البلدان النامية للملاريا سوف يزيد من 5 إلى 15% بحلول عام 2100 بسبب التغير المناخي.
ففي إفريقيا وحدها وطبقًا لمشروع MARA (تحديد خطر الملاريا في إفريقيا) ، توجد زيادة متوقعة بنسبة 16 إلى 28% لتعرض الأفراد شهريًا لمرض الملاريا بحلول عام 2100.
استجابة الصحة العامة
في الوقت الحالي، لا يوجد دليل يجعلنا نقترح أن البدء السريع للتغير المناخي آخذ في الهبوط. فحتى إذا تمكنا بمعجزة من وقف جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فسنظل نواجه التغيرات المحتملة غير القابلة للتحول التي تسببنا فيها بأنفسنا.
ومن ثَمّ فمن الضروري التأقلم على هذه الظروف المتغيرة.
ستكون استجابتنا تفاعلية واستباقية على حد سواء ويجب أن تتم على عدة مستويات (تشريعية وهندسية وسلوكية شخصية).
واستجابة لمرض الملاريا سنحتاج على سبيل المثال إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وسهولة الوصول إليها وتحديد مدى الاستجابة تجاه المجتمعات المعرضة للخطر واستهدافها وتحسين قدرتنا على وضع النماذج والرقابة وتطبيق حملات توعية عامة على مستوى واسع.