الرياض: د. عبير مبارك
تدور في الولايات المتحدة مناقشات حول جدوى وفاعلية وسلامة اللقاحات الموجهة لتطعيم الصغار.
وقد أظهر استطلاع حديث في مؤسسة «بيو» أن 83 في المائة من البالغين يعتقدون أن اللقاحات التي يتلقاها الأطفال، مثل الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف وغيرها، هي لقاحات آمنة للأطفال الأصحاء. ولكن وفقًا للاستطلاع الذي صدر في 9 فبراير (شباط) الحالي حول اللقاح الثلاثي للحصبة والحصبة الألمانية والنكاف MMR vaccine، فإن النتائج أظهرت أيضًا أن تلك النسبة تتغير بحسب عمر الشخص المشمول في الاستطلاع.
* جدوى اللقاح
* وتحديدًا، فإن 90 في المائة ممنْ هم فوق الخمسين من العمر كانوا واثقين في سلامة اللقاحات وجدواها، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى 80 في المائة فيما بين منْ أعمارهم ما بين 30 و49 سنة بين المشمولين في الاستطلاع، ثم تنخفض نسبة الواثقين في سلامة اللقاحات إلى نحو 75 في المائة فيما بين منْ أعمارهم ما بين 18 و29 سنة بين المشمولين في الاستطلاع. وعلق الدكتور ويليام شافنير، اختصاصي الأمراض المعدية في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تنيسي الأميركية،
بالقول: «إنه لم يفاجأ بنتائج الاستطلاع. وكلما كبر سن الإنسان أخذ على محمل الجد أهمية تلقي الأطفال للقاحات، وخاصة الحصبة MEASLS. وأولئك الذين لديهم شيب في شعرهم هم منْ شاهدوا مرضى الحصبة وانتشارها وهم منْ يعلمون عنها ويُقدرون أهمية تلقي اللقاح الخاص بالوقاية منها، أي أنهم يخشونها. ولو كنت ممنْ عاشوا فترة البدء باستخدام اللقاحات ورأوا بأعينهم تلاشي الإصابات بالحصبة لاحقًا، ولكن آباء وأمهات اليوم لم يروا الحصبة وانتشارها ولم يُفكروا في انتشار الحصبة في المدارس، ولذا يُمكن أن تفهم سبب هذا اللبس وهذه الحيرة لديهم».
* فاعلية اللقاحات
* وللتوضيح، فإن الحصبة هي مرض تنفسي فيروسي شديد العدوى، وتتشابه أعراضه إلى حد ما بتلك التي في نزلة البرد مع إضافة طفح جلدي مميز، ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات أكثر خطورة، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب الدماغ أي تورم الأنسجة التي تحيط بالدماغ والحبل الشوكي. ويتوفى طفلان تقريبًا من بين كل 1000 طفل يُصابون بالحصبة، والحصبة بحد ذاتها أحد الأمراض الوبائية المعدية الشديدة والسريعة الانتشار.
ولم تتمكن الولايات المتحدة من إعلان القضاء على الحصبة إلا في عام 2000. ولكن في السنوات القليلة الماضية بدأت حالات الحصبة بالظهور مجددًا. وفي العام الماضي تم توثيق 600 إصابة في الولايات المتحدة بالحصبة وهي أعلى نسبة سنوية خلال العقدين الماضيين. وبالإضافة إلى هذا فإن ثمة مؤشرات على تدهور الوضع، ذلك أنه ومن بداية يناير (كانون الثاني) حتى هذا الأسبوع تم توثيق 100 إصابة بالحصبة ضمن الوباء الذي بدأ من ديزني لاند في كاليفورنيا في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقال شافنير: «البالغون الأصغر سنا اليوم يميلون إلى أن يكونوا أكثر تشككا في قرارات السلطات الصحية وفي فكرة أنهم مضطرون لفعل شيء مطلوب منهم نحو صحة أبنائهم وبناتهم»، وأضاف: «إنهم أكثر ميلا إلى البحث في الإنترنت عن معلومات حول الصحة التي في كثير في الأحيان لا يصلون منها دائما إلى المواقع الأكثر موثوقية، وإذا كان لديهم ذاك التشكيك فإنهم لن يذهبوا لموقع المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC ولا إلى الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال وهي المواقع الإلكترونية الصحية الأكثر موثوقية التي تعرض معلومات صحية جديرة بالثقة حيث الأطباء فيها يقولون: «إن لقاحات الأطفال آمنة وفعّاله».
واستطرد قائلا: «هذا الاستطلاع تم إجراؤه فيما بين 5 إلى 8 يناير، وشمل أكثر من 1000 شخص من البالغين، وليسمح لي منْ قالوا: إنها (أي اللقاحات) غير آمنة بأن يُخبروني ويشرحون كيفية معرفتهم هذا، ولكن لا تُوجد إجابة لديهم. وبعضهم قال: إنه لا يشعر بالثقة في شركات الأدوية وبعضهم أبدى مجرد شكوك لديه حول كيفية عمل اللقاح على توليد المناعة لدى الطفل. وعرض جانبا آخر وهو أن درجة تعليم البالغين ربما هو عامل يُؤثر على التعامل مع اللقاحات. وذلك أن الاستطلاع لاحظ في نتائجه أن الحاصلين على الشهادة الجامعية أعرب 92 في المائة منهم عن ثقتهم في اللقاحات، بينما الحاصلون فقط على الشهادة الثانوية كانوا أقل موافقة، وتحديدًا أبدى 77 في المائة منهم تلك الموافقة.
ولذا طرح فكرة ضرورة التعامل المباشر مع الأطفال أنفسهم لتعليمهم أهمية وفائدة وجدوى تلقي اللقاحات، وانبعاث الحصبة الحالي ربما سببه أن بعض الآباء والأمهات يختارون عدم تلقي أطفالهم لتلك اللقاحات.
* مصادر اللقاح
* وتشير المصادر الطبية إلى أن اللقاح بالعموم هو مادة مصنعة طبيا تقي المرء من الإصابة بالمرض. وقد يصنع اللقاح من ميكروبات ميتة أو مُضعفة، أو من أجزاء من الميكروبات التي تسبب الأمراض. وجهاز المناعة في الجسم يتكون من الأعضاء التي تتذكَّر الميكروبات وتكافحها للقضاء عليها وتخليص الجسم من تداعيات الإصابة بها. ومن دون وجود جهاز المناعة، يمكن لمرض بسيط، كنزلة البرد مثلا، أن يكونَ قاتلا. ويُقال طبيا بأن الجسمَ «مُمَنَّع» عندما يكون جهاز المناعة مدربًا على مكافحة المرض.
وقبل ظهور اللقاحات، كانت الطريقة الوحيدة لكي يصبح جسم المرء «ممنَّعا» تجاه مرض ما، هي أن يُصاب المرء بالمرض فعلا وينجو منه. واللقاحات هي الطريقة الأكثر سهولة والأقل خطرًا حتى يصبح الإنسان «ممنَّعا» من بعض الأمراض، ذلك أن اللقاحات تستطيع أن تمنع المرض قبل حدوث التعرض للميكروب.
ويعمل اللقاح ضمن ثلاث مراحل، الأولى يجري فيها حقن ميكروبات ميتة أو مُضعَفة في الجسم، ثم ثانيًا يستجيب الجسم بصنع الأجسام المضادة أو ما يُعرف بـ«الأضداد» لمكافحة الميكروبات التي غزته، وثالثًا إذا هاجمت نسخة حية من تلك الميكروبات الجسمَ بعد تلقي اللقاح، فإنَّ الأضدادَ ستكون موجودة من أجل قتل تلك الميكروبات.
والأضداد هي مواد بروتينية يصنعها نوع معين من خلايا الدم البيضاء وتساعد الجسم على مكافحة المرض. ولذا باللقاح ليس من الضروري أن يلتقط المرء ميكروب المرض وأن يمرض فعلا حتى يكتسب مناعة من هذا المرض.
اللقاحات آمنة بشكل عام، ولكن بسبب صنع بعض أنواع اللقاحات من ميكروبات ميتة أو مُضعفة، فإنها يمكن أن تسبب بعض الآثار الجانبية التي من النادر أن تشكل خطورة أو ضررا. وتشتمل الآثار الجانبية المألوفة الناتجة عن اللقاحات على دوخة أو تعب أو حُمَّى أو نقص الشهية أو تورُّم في منطقة الحقن أو صداع مؤقت.
ولقد أدت اللقاحات إلى منع كثير من أمراض الأطفال من الظهور. وقد اختفى معظم هذه الأمراض، كشلل الأطفال مثلا. وتعد فوائد صنع المناعة عن طريق تلقي اللقاحات أكثر بكثير من مخاطر الآثار الجانبية.