الدكتور بيدرو ألونسو، مدير البرنامج العالمي لمكافحة الملاريا التابع لمنظمة الصحة العالمية، و
الدكتور ديرك إنجلز، مدير إدارة مكافحة الأمراض المدارية المهملة التابع لمنظمة الصحة العالمية، و
الدكتور جون ريدر، مدير البرنامج الخاص للبحوث والتدريب في مجال أمراض المناطق المدارية
تعتبر مكافحة النواقل بمثابة الطريقة الأساسية لمعالجة العديد من الأمراض الرئيسية المعدية في العالم. فعندما تم تنفيذ أساليب فعالة لاستهداف البعوض، والذبابـ، والقراد، والبق، وغيرها من النواقل التي تنقل مسببات الأمراض بشكل جيد، أمكن إنقاذ الأرواح وحماية صحة الملايين.
WHO/M. Missioneiro
وفي الفترة ما بين عامي 2001 و2015، حالت طريقتان أساسيتان من طرق مكافحة النواقل – ألا وهما الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات والرش الثمالي لمبيدات الحشرية داخل الأبنية – دون وقوع ما يقرب من 663 ملبون حالة إصابة بالملاريا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى . ناهيك عن تقليص حالات داء كلابية الذنب وداء الليشمانيات الحشوي وداء شاغاس بشكل كبير من خلال مكافحة النواقل على نطاق واسع .
ومع ذلك، لا تزال مكافحة النواقل تمثل تحدياً متواصلاً، ناهيك عما تفرضه الأمراض سواء القديمة أو الناشئة من تهديدات جديدة. والشاهد أن ظهور فاشية مرض فيروس زيكا والتي اندلعت مؤخراً ومعاودة ظهور الحمى الصفراء , إلى جانب زيادة حالات حمى الضنك وتشيكونغونيا، قد سلطت الضوء على أهمية المكافحة المستدامة للنواقل، والحاجة الماسة إلى تعزيز القدرة العالمية على الاستجابة لهذه التهديدات.
وفي يومنا هذا نجد أن أكثر من 80% من سكان العالم معرضون لخطر الأمراض المنقولة بالنواقل، مع ملاحظة أن نصف هذا العدد معرض لخطر الإصابة بمرضين اثنين أو أكثر . ويتركز الكثير من هذه الأمراض في أشد المجتمعات المحلية فقراً في المناطق المدارية وشبه المدارية؛ حيث تتسبب في معدلات غير مقبولة من الوفيات والمراضة وفي الوقوف كحجر عثرة أمام النمو الاقتصادي .
WHO
وتنتقل مسببات الملاريا وحمى الضنك وداء الفيلاريات اللمفاوية وتشيكونغونيا ومرض فيروس زيكا والحمى الصفراء والتهاب الدماغ الياباني وحمى غرب النيل للبشر بواسطة البعوض. وداء كلابية الذنب تحمله الذبابة السوداء، وداء الليشمانيات تنقله ذبابة الرمل، وداء شاغاس ينتقل بواسطة بق الترياتومين؛ وأمراض لايم البوربلية والتهاب الدماغ تنتقل عن طريق القراد؛ وداء المثقبيات الأفريقي البشري ينتقل عن طريق ذباب التسي تسي؛ والبلهارسيا تنتقل بواسطة القواقع.
وفي كلمتها أمام جمعية الصحة العالمية في عام 2016، أعربت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية عن بالغ قلقها إزاء تردي حالة مكافحة النواقل في العالم قاطبة . وبات واضحاً وجود حاجة ماسة إلى تبني نهج جديد وشامل للوقاية من الأمراض والتصدي للفاشيات - نهج يتشارك فيه العديد من القطاعات والمجتمعات المحلية ويستند إلى أفضل البيانات المتاحة.
وبعد مرور عام واحد وتحديداً في 30 أيار/مايو 2017، رحبت جمعية الصحة العالمية السبعون بالنهج الاستراتيجي المبين في استجابة منظمة الصحة العالمية الجديدة الخاصة بمكافحة النواقل للفترة 2017-2030 . وتهدف هذه الاستجابة إلى الحد من عبء الأمراض المنقولة بالنواقل وما تمثله من تهديدات من خلال تبني جهود لمكافحة النواقل تتسم بالفعالية والملاءمة للوضع المحلي والاستدامة.
وهي لا تمثل مخططا لمهاجمة مرض واحد، وإنما هي وسيلة للتصدي للعديد من النواقل والأمراض التي تتطلب العمل عبر العديد من القطاعات خارج نطاق الصحة، بما في ذلك قطاع البيئة والتخطيط الحضري والتعليم. ونحن على يقين من أن هذا النهج سيوظف الموارد بصورة أكثر فعالية من حيث التكلفة وسيحقق نتائج أكثر استدامة.
WHO/I. Suder-Dayao
وسيتوقف النجاح على تعزيز قدرات وإمكانيات البرامج القطرية التي عانت من تخفيض عدد الموظفين وتآكل الخبرات في مجال مكافحة النواقل في العقود الأخيرة. وتحتاج كذلك البحوث الأساسية والتطبيقية إلى دفعة لتوفير قاعدة البينات اللازمة لمكافحة الأمراض والتخلص منها.
وتعتبر مواصلة الاستثمار في الابتكار من الأمور الضرورية؛ وتشمل التدخلات الجديدة الواعدة في مختلف مراحل التطوير مبيدات حشرية جديدة، ومنفرات مكانية، وفخاخ استدراج بالرائحة، وتحسين سبل التحري بالمنازل، والمكافحة البيولوجية القائمة على الولباخيا (جنس من الجراثيم)، والبعوض المعدل وراثيا. وبمجرد أن تؤكد منظمة الصحة العالمية مأمونية هذه التدخلات وفعاليتها وجودتها وفائدتها، فينبغي أن يتم نشر هذه التدخلات ميدانياً وإدماجها في برامج مكافحة النواقل لتحقيق أقصى فائدة ممكنة.
ويعتمد هذا الإجراء على القيادة والدعم القويين على المستوى القطري. وينبغي أن تصبح مكافحة النواقل عنصراً أساسياً في الاستراتيجيات الصحية الوطنية في البلدان المتضررة والمعرضة للخطر وأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطط الوطنية لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
ولا يمكن كذلك إغفال التواصل الفعال بين الوزارات، وزيادة التمويل، وبناء القدرات، واستبقاء الموظفين، ومراجعة الضوابط التشريعية المتعلقة بالصحة العمومية.وتحدد الاستجابة العالمية الخاصة بمكافحة النواقل إجراءات البلدان الضرورية والتي تحظى بالأولوية في إطار أربع ركائز.
أولا،
تعزيز العمل المشترك بين القطاعات وفيما بين القطاعات حيث أن مكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل هي مسؤولية مشتركة لجميع أفراد المجتمع، ويعتبر التعاون مع أطراف خارج قطاع الصحة من الأمور الحاسمة.
ثانيا،
إشراك وتعبئة المجتمعات المحلية لضمان الاستدامة وبناء القدرة على الصمود أمام فاشيات الأمراض في المستقبل.
ثالثا،
تعزيز الترصد والرصد للمبادرة المبكرة بالعمل عند زيادة أعداد النواقل، وتحديد ما إذا كانت التدخلات لا تسير على النحو المتوقع. وأخيرا، توسيع نطاق التدخلات المسندة بالبينات وإدماج التدخلات الخاصة بمكافحة النواقل لتعظيم تأثيرها على المرض مع تقليل التأثير على البيئة لأقصى درجة.
وتضع الاستجابة العالمية الخاصة بمكافحة النواقل أهدافاً طموحة وإن كانت قابلة للتحقيق: خفض الوفيات الناجمة عن الأمراض المنقولة بالنواقل بنسبة 75% على الأقل، واقتصارها على 60% على الأقل بحلول عام 2030، ومنع انتشار الأوبئة في جميع البلدان.
وتقدر تكلفة تنفيذ الأنشطة التي تحظى بالأولوية، من قبيل تعزيز التوظيف والترصد والرصد والتنسيق، بنحو 5 سنتات فقط لكل شخص معرض للمخاطر سنوياً أو حوالي 330 مليون دولار أمريكي كل عام في العالم قاطبة . ويمكن مقارنة هذا المبلغ المتواضع إلى حد ما بأكثر من 4 مليارات دولار أمريكي مطلوبة سنوياً على الصعيد العالمي لمكافحة نواقل أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وداء شاغاس وحدها .
ومن المتوقع ألا يقتصر دور مكافحة النواقل المتكاملة والملاءمة للسياق المحلي على إنقاذ الأرواح والحد من اعتلال الصحة فحسب، ولكن أيضا لتحسين الكفاءة وتوفير المال في نهاية المطاف.
وأيدت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بالإجماع الاستجابة العالمية الخاصة بمكافحة النواقل في جمعية الصحة العالمية لعام 2017 إيذاناً بفجر جديد لمكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل والتخلص منها. ومنظمة الصحة العالمية ملتزمة بقيادة هذا الجهد والعمل على حماية صحة السكان في جميع أنحاء العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق