الدكتورة إيزابيل نوتال، مديرة إدارة القدرات والإنذار والاستجابة على الصعيد العالمي بالمنظمة
منع العالم بأسره من السفر ليس حلاً لاحتواء فاشية مرض فيروس الإيبولا هذه،
فنحن نعرف ما يلزم لوقفها وذلك لا يستدعي منع الناس من السفر من غرب
أفريقيا إلى الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، لأن حظر السفر مجلبة للضرر ولا
طائل وراءه.
ومن شأن قطع الصلة ببلدان غرب أفريقيا المحاصرة أن يلحق أضراراً كارثية بالأسر والاقتصادات. وقد يهدّئ الناس الموجودون في البلدان البعيدة عن المنطقة الساخنة روعهم بشعور زائف بالأمان، اعتقاداً منهم أن الإيبولا لا يمكن أبداً أن تصل إليهم إذا أوقفت الرحلات الجوية. ويستحيل في الواقع وقف حركة الناس المدفوعين بلهفة رؤية أحبائهم أو البحث عن حياة أفضل لأطفالهم.
ويتنقل يومياً الملايين من الأشخاص في أصقاع المعمورة، لا بواسطة الطائرات حصراً بل من خلال عبور حدود الأراضي غير المراقبة في المناطق النائية، أو بوصفهم من الطواقم العاملة على متن آلاف السفن التي تمخر عباب سواحل البحار العالمية جيئة وذهاباً في إطار تداول البضائع التجارية.
ويكمن مفتاح حل وقف انتشار هذا المرض على الصعيد الدولي في توخي الحيطة والحذر بالعالم. وتؤدي المنظمة دوراً كبيراً في إعداد البلدان للاستجابة بفعالية لتهديدات الصحة العمومية التي تثير قلقاً دولياً، فهذه الفاشيات ليست أمراضاً معدية فحسب بل يمكن أن تخلّف مخاطر كيميائية أو نووية تنقلها الأغذية.
ويلزم أن تمتلك جميع البلدان نظماً رصينة موضوعة موضع التنفيذ لتحديد الأشخاص المعرضين للخطر في أسرع وقت ممكن، وتطبيق تدابير صارمة في مجالي الوقاية من أية حالات يُكشف النقاب عنها ومكافحة تلك الحالات.
تدابير وقف انتشار المرض على الصعيد الدولي
قد تختار الحكومات إجراء فرز روتيني، من قبيل القيام في المطارات الدولية والمعابر الحدودية والموانئ بقياس حرارة جسم كل مسافر والحصول على رحلات سفره في السابق. ومع أن الفرز غير مضمون إلا أنه قد يشخّص بعض المسافرين المعرضين للخطر، وسيكون بالتأكيد بمثابة وسيلة لتعزيز وعي الفرد بكيفية الحفاظ على سلامته في هذه الأوقات المضطربة.
ويلزم وضع خطط فعالة في منافذ الدخول موضع التنفيذ في حال كُشِف عن أن مسافراً وافداً من بلد متضرر بالإيبولا مصاب بالحمى أو يبدي أعراضاً مرضية أخرى. وتوثق المنظمة عرى عملها مع قطاع الطيران والقطاع البحري لتزويد طواقم شركات الطيران والشحن والموظفين العاملين في نقاط الدخول بإرشادات حول كيفية التعرف على أعراض الإصابة بالإيبولا وما يلزم القيام به لحماية أنفسهم والآخرين عند نقل الشخص المريض إلى مرافق الرعاية بأمان.
ويلزم أيضاً جميع البلدان الحصول على فنيين مدربين قادرين على القيام بمأمونية بجمع عينات الدم ونقلها وفحصها في مختبرات تشخيصية مؤهلة.على جميع عاملي الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية أ يتوخوا الحذر من الأفراد الذين يبدون أعراض الإصابة بالحمى أو غيرها من أعراض الإصابة بالإيبولا (الآلام الشبيهة بالإنفلونزا والتقيؤ والإسهال والطفح الجلدي والنزيف)، ويجب عليهم أن يطلبوا الحصول روتينياً على سجل سفر المريض في السابق. ولابد أن يكون جميع المسعفين الطبيين والممرضات والأطباء العاملين في سيارات الإسعاف أو غرف الطوارئ أو وحدات الرعاية العاجلة أو مكاتب الأطباء على استعداد لمواجهة المرض. ويلزم تمكين إدارات الصحة المحلية من تتبع مخالطي هذا الشخص المصاب بعدوى المرض خلال الأيام السابقة والبالغة 21 يوماً، ورصد حالة كل واحد من مخالطيه.
وسيحتاج المرضى الذين يبدون أعراض الإصابة بالمرض إلى رعاية تنقذ أرواحهم في أجنحة عزل مجهزة بعاملين صحيين مدربين خصيصاً على تطبيق الإجراءات الدقيقة لمكافحة العدوى اللازمة لحماية أنفسهم وسواهم. ومن الطرائق المجرّبة لإنقاذ الأرواح إماهة جهاز المناعة بكثافة لتمكينه من مقارعة الفيروس.
التأهب اللازم للاستجابة
ينبغي أن تستكمل البلدان هذه التدابير بتزويد مواطنيها المسافرين إلى بلدان متضررة بالإيبولا بمعلومات دقيقة ومهمة عن الفاشية وتدابير الحد من خطر تعرضهم للإصابة بها.
وهذه التدابير مجرّبة وفعالة لوقف انتشار الإيبولا على الصعيد الدولي، وقد طبّقتها بفعالية نيجيريا والسنغال، إذ مرّ على البلدين كليهما 42 يوماً من دون الإبلاغ عن أية حالة جديدة للإصابة بالإيبولا، وهي الفترة التي تشترطها المنظمة لكي تعلن عن انتهاء فاشية المرض في أي بلد.
ولا مثيل من حيث النطاق لوباء الإيبولا المستشري حالياً في غرب أفريقيا، فهو مرض قاتل ولكن الفيروس الذي ينقله يعتبر ضعيفاً في واقع الأمر. وبعبارة أخرى، فإن خطر الإصابة بعدوى المرض مقصور على ملامسة الفرد مباشرة لسوائل جسم شخص مصاب بعدوى الإيبولا يبدي حالياً أعراض الإصابة بها.
وسعياً إلى وضع حد لهذا الوباء ومنع اندلاع فاشياته في المستقبل، يجب علينا أن نقلل من التركيز على مناقشة موضوع حظر السفر ونكثر من التركيز على ضمان استعداد جميع البلدان للتعامل مع أي حالة محتملة للإصابة بعدوى الإيبولا. وإن رام العالم أن ينعم بأمن شامل فعلينا أن نعمل معاً من أجل ضمان أن تمتلك البلدان الفقيرة نظماً صحية أقوى، ومنها نظم الإنذار المبكر للإبلاغ عن اندلاع الفاشيات في وقت مبكر.
دور المنظمة
البلدان التي يُحتمل أن تتعرض بشدة لخطر فاشيات الإيبولا هي الآن من أولويات المنظمة في مجال التأهب عالمياً لمواجهة الفاشيات. وهذه البلدان هي كوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي، وهي تقع على مقربة من بؤرة اندلاع الفاشية. وأنا أكتب هذا المقال من مكتب المنظمة الإقليمي لأفريقيا الكائن في برازافيل، الكونغو، حيث نقوم بإعداد قوائم مرجعية عملية من المقرر أن تستعين بها تلك البلدان لتكفل استعدادها للوقاية من أي حالة إصابة بالإيبولا والكشف عن تلك الحالة والاستجابة لها.
وسيرسي ذلك أسساً متينة يُرتكز إليها في إقامة نظم ستدوم إلى وقت يتجاوز وقت فاشية الإيبولا المندلعة هذه، بحيث يتسنى لتلك البلدان أن تحسّن تدابير استعدادها لمواجهة أية طارئة صحية أخرى يُحتمل أن تنشأ في السنوات المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق